بورتريه.. ديودراما لـ: عصام نبيل

 عصام نبيل

الشخصيات: صلاح ـ عفاف

………..

(صلاح في مرسمه يمسك زجاجة خمر وبين أصابعه سيجارة مشتعلة يجلس على مقعد هزاز قديم، أمام لوحة لفتاة شبه عارية.. يدقق فيها ثم يرفع الزجاجة إلى فمه فيجدها فارغة فيقذف بها بعيدًا بغضب، وجسده يرتعش، ثم يمسك رأسه براحتيه.. تظهر عفاف من خلف اللوحة القديمة فيرفع صلاح رأسه ليراها مندهشًا)

صلاح: (لنفسه) يخرب بيت الذمم الخربانة.. حتى الخمرة غشوها؟!
عفاف: إزيك؟

صلاح: انتي مين؟

عفاف: أنا جايه اتطمن عليك؟

صلاح (يفرك عينيه ثم يحدق في عفاف)

عفاف: مش بترد عليَّ ليه؟.. انت زعلان مني؟

صلاح: أنا؟

عفاف (توميء بالموافقة)

صلاح: أنا.. أنا زعلان منها هيَّ

عفاف: هيَّ مين؟

صلاح: الخمرة.. تصوري كل يوم اقول حـ ابطَّلها

عفاف: وإيه اللي مانعك؟

صلاح: هيَّ مش عاوزه تبطَّلني.. مدمنة

عفاف: عرفت ترسمني ازاي؟

صلاح: أنا ما رسمتكيش

عفاف: (مشيرة للوحة) أمَّال مين ديه؟

صلاح: بصَّيت لروحي ورسمت

(عفاف تدنو من صلاح فيترك المقعد مرتعبًا)

عفاف: خايف؟

صلاح: هوَّ انا سكرت للدرجه دي.. ما انا ياما قلت ابطَّلها

عفاف: الخمرة؟

صلاح: آه

عفاف: بتبص لي كده ليه؟

صلاح: إنتي إيه؟ 

عفاف: إنتي إيه ولا انتي مين؟

صلاح: (مرتعشًا) أنا …………

عفاف: (مقاطعة) خايف؟

صلاح: موت

عفاف: والموت؟

صلاح: لا مش باخاف من الموت

عفاف: بجد؟

صلاح: لأ.. أنا باكدب.. أنا فعلاً باخاف مـ الموت موت.. انتي ظهرتي ازاي؟

عفاف: إيه ظهرتي ديه؟.. هوَّ انا عفريتة؟

صلاح: مش قصدي.. (يقترب منها مترددًا) مش ممكن تكوني عفريتة 

عفاف: طيب أنا إيه؟

صلاح: (يقترب منها أكتر) إنتي.. إنتي أنا.. انتي خرجتي من جوايا ولا

من اللوحة؟

عفاف: بس انت خايف 

صلاح: بالعكس.. أنا متطمن جدا

عفاف: وإيه اللي مطمنك؟

صلاح: مش عارف.. (يرتعش بشدة)

عفاف: مالك؟

صلاح: ما تقولي عايزه إيه مني بصراحة

عفاف: مش عايزه حاجة

صلاح: مستحيل.. أنا عارف انتي عايزه إيه؟

عفاف: قول انت عايزه إيه؟

صلاح: عايزه تغويني لغاية امَّا اقع على جدور رقبتي ولا حد يسمِّي عليِّ.. وتختفي وتسيبيني وانا كل جسمي جروح وعايم في بحر ملح

عفاف: أنا؟

صلاح: أيوه إنتي

عفاف: للدرجة دي انا قادره وانت مهيض الجناح؟

صلاح: عايزه تخطفي حته من كبدي وتطيري بعيد وانا اتلوى من الوجع

عفاف: انت مجنون ولاَّ حاجة؟!

صلاح: وانتي ماعندكيش رحمة

عفاف: الله الله.. أنا عملت لك حاجة يا عم انت؟

صلاح: (يخبط رأسه بيده) يخرب بيتها

عفاف: أنا؟

صلاح: الخمرة قلتلك.. من أول يوم شربتها وانا عايز ابطَّلها.. (يبتسم

فجأة) إنتي واقفة ليه؟.. (يسحبها من يدها ويجلسها على المقعد الهزاز) اتفضلي ارتاحي.. ديه قعدتي المفضلة.. ألف الشوارع كلها وارجع في الآخر اقعد على الكرسي ده واولع سيجارة.. وابحلق في الفضا اشوف شريط سينما لحياتي من وانا طفل صغير

عفاف: تلاقيك كنت طفل متعفرت

صلاح: أنا كنت طفل هادي جدًا

عفاف: والله.. ماكنتش بتشخبط على الحيطه؟ 

صلاح: خالص

عفاف: ولا بتتنطط على الكراسي وبتدلق ميَّه بصابون علشان الناس

تتزحلق وتضحك عليها من بعيد؟

صلاح: والله ما حصل

عفاف: ولا كنت بتعبِّي قراطيس ميَّه وترميها من البلكونه على روس اللي

معدَّيين من قدام العمارة؟

صلاح: أنا كنت غلبان قوي

عفاف: ياختي كميله

صلاح: كنت طفل سيامي

عفاف: بجد؟

صلاح: والله.. كنت كل اللي محتاجه حد يطبطب على كتفي أو يمسح على شعري

عفاف: أطبطب انا؟

صلاح: تصوري كنت بابقى فـ عيد لمجرد ان ابويا يبتسم مرة فـ وشي..

أو حتى اشوفه من بعيد بيضحك مع حد

عفاف: انت بتبالغ شويه

صلاح: والله أبدًا.. طيب تعرفي.. أنا أوعى على نفسي وانا طولي شبرين ولابس بدله وجرافته

عفاف: بدله وجرافته من بدري كده؟

صلاح: ولمَّا كنت اقعد آكل.. آكل بأدب

عفاف: تاكل بأدب ازاي يعني؟

صلاح: يعني ما امدش إيدي اللي امَّا أمي تديني.. وارفع راسي عن

الأكل.. واقطع لقمة صغنونه قوي.. واقفل بُقي وانا باكل

عفاف: بس ده حلو جدًا

صلاح: مش حلو خالص

عفاف: إشمعنى يا فنان؟.. طبعا الفوضى بالنسبة لك أسلوب حياة

صلاح: كان نفسي اكسر كل القواعد.. واوَّقع الأكل على هدومي.. يعني ماتبقاش كل حاجة بالمسطرة.. وماتبقاش العين عليَّ حتى وانا باكل.. كلام تافه مش كده؟

عفاف: لا مش تافه بس غريب

صلاح: علشان ماجربتيش

عفاف: جايز

صلاح: حتى لما كبرت شويه ماعرفتش ابقى مراهق

عفاف: (ضاحكة) لا بقى ديه واسعة شويه؟

صلاح: أنا مش باكدب

عفاف: فيه حد في الدنيا ماكانش مراهق

صلاح: أنا.. ماخدتش فرصتي.. لمَّا اقعد العيون تبقى عليَّ.. ولمَّا امشي

احس بالعيون ديه بتخرق ضهري

عفاف: يعني اتحرمت حتى من المراهقة؟

صلاح: كنت بمارسها في خيالي علشان المجتمع ما يغضبش

عفاف: (ضاحكة) في الحلم؟

صلاح: لكن في الحياة لأ

عفاف: كده تبقى تجربتك ناقصة

صلاح: شريط حياتي كان بيجي فـ حتت كتير ويسف.. صحيح حياتي

وقع منها كتير بس انا خدت الفرق

عفاف: فرق إيه؟

صلاح: خدت ببقية التجارب الضايعة ضرب فوق راسي ومصايب

عفاف: يعني إيه؟

صلاح: ياما دقت على الراس طبول

عفاف: يعني استفدت برضو

صلاح: تعرفي ان انا كنت جبان جدًا

عفاف: وااااو.. وعملتها ازاي ديه؟

صلاح: كنت باموت في جلدي من مجرد نظرة.. فاكر لمَّا كنت طفل صغير نايم لوحده فـ أوضه متدَّاريه فـ شقة واسعة.. كنت ألبد في السرير وعيني تبحلق في كل حته.. شويه ابص للشباك وشويه للسقف.. واخرج عيني من باب الأوضه المفتوح على الطرقة المنورة بلمبة سهاري.. كنت أتوقع إن فيه حد حـ يخل عليَّ من الشباك أو الباب.. أو حتى ابويا يصحى ويدخل عليَّ فجأة.. فبرضو كنت بانام مؤدب.. ده انا كنت جبان بشكل
عفاف: ودلوقتي؟

صلاح: لا والله مش جبان.. زي ما تقولي من كتر ما خفت الخوف طق مات.. استهلكته لغاية ما خلص.. نفد.. (يضحك) ومن فترة للتانيه تحل عليَّ أمنية طفولية بإني أخوَّف حد ولو مرة.. مش عارف ليه عمري ما كنت باخوَّف حد

عفاف: وبعدين؟

صلاح: (يمسح وجهه بكفيه) في شبابي كنت باحب الأفلام الابيض واسود 

عفاف: كلنا كنا بنحبها.. كانت أفلام حلوة

صلاح: أنا ماكنتش باحبها علشان حلوة

عفاف: مش فاهماك بصراحة

صلاح: أنا كنت باشوفها بشغف علشان كنت باشوف فيها اللي محروم منه
عفاف: زي إيه يعني؟

صلاح: زي صداقة عبد الحليم واحمد رمزي وعمر الشريف في الفيلم.. أو جيرة حسن يوسف ويوسف فخر الدين.. العلاقات ديه كانت بتسحرني علشان عمري ما عشتها

عفاف: واتجوزت؟ 

صلاح: وكنت فاكر ساعتها ان حرمان العمر حـ اعوَّضه والقى حد ياخدني فـ حضنه.. (يضحك بمرارة) لو كنت خدت جلستين كهربا وحقنة هوا كنت بقيت زي الفل

(ترتفع دقات الزفة وتقف عفاف إلى جوار صلاح وكأنهما في ليلة الدخلة)
صلاح: يااااه أخيرا حلمي اتحقق وبقينا فـ بيت واحد

عفاف: تفتكر حـ يجي يوم وتندم؟

صلاح: ماتقوليش كده تاني 

عفاف: بتحبني؟

صلاح: بذمتك ده سؤال؟!

عفاف: يعني مش حـ يجي يوم وتسيبني؟

صلاح: مستحيل؟

عفاف: ولا تعملها فـ يوم وتضربني؟

صلاح: أنا مش من النوع ده أبدًا

(عفاف وصلاح يتجهمان فجأة ويدفعان بعضهما بعنف)

صلاح: يااااه البيت بقى زي الزنزانة

عفاف: ندمان على إنك اتجوزتني

صلاح: بذمتك ده سؤال؟!.. ندمان؟.. ده انا باضرب نفسي بالجزمه

عفاف: دلوقتي اكتشفت انك مابتحبنيش؟

صلاح: إنتي عمرك اعترفتي أصلاً إن فيه حاجة اسمها حب؟

عفاف: يا سيدي حاول تعمل نفسك مبسوط واهي أيام وتعدَّي

صلاح: أنا مش من النوع ده أبدًا

عفاف: ما انا سيباك براحتك.. حتى أوضة النوم سايباها لك وبانام في أوضه تانيه

صلاح: وتفتكري انا كده خلاص بقيت سعيد

عفاف: وانت عايز ايه يعني؟.. ماتريَّح دماغك مني

صلاح: وبالإسم بقى انا متجوز.. أيه الملل ده؟

عفاف: وملل ليه؟.. ما انت عندك التلفزيون وطول الليل بابقى سامعاك

وانت بتتنقل من برنامج لبرنامج

صلاح: باتفرج بدل ما اطق.. أنا ساعات باتكلم زي المجنون مع اللي في

التلفزيون واناقشه في اللي بيقوله بصوت عالي

عفاف: اسمع بقى.. أنا آخري فـ موضوع الجواز ده الطبيخ والغسيل.. ده

اللي ليك عندي

صلاح: لا والله كتر خيرك

عفاف: عايزني اعمل ايه؟.. هوَّ انا نُغه حـ تسبَّل لي عينيك وتمسك إيديا
صلاح: لا طبعًا وديه تيجي؟!.. أنا بقيت احسد الكلب اللي في الشارع لمَّا يقرب من وليفته تهز ديلها فرحانة.. مش عايز اتكلم اكتر من كده أرجوكي
عفاف: لا والنبي اتكلم

صلاح: الكلاب عندها مشاعر جياشة.. بتعرف تعيش وتحب وتتجوز.. بيتجوزوا حلو قوي

عفاف: إيه ده إيه ده؟.. ده كلام تقوله؟.. بس عامل فيها فنان ومثقف؟!
صلاح: هوَّ المثقف ده مش بني آدم وله احتياجات؟.. عنده طاقة عايز يطلَّعها بدل ما تطلع على عينيه؟

عفاف: طلعها بعيد عني.. أنا ماليش طاقة للحاجات ديه أصلا.. يا باي
(صلاح وعفاف يضحكان وتعود عفاف لجلستها على المقعد الهزاز(
صلاح: لمّا كنت باكلمها كانت بتنتظر شريط الترجمة ينزل تحت
عفاف: للدرجة دي؟

صلاح: كانت دايما تحب تثبت لي إنها فاهماني كويس.. وعمرها ما فهمتني
عفاف: هوَّ فيه كده؟

صلاح: فيه طبعًا.. صدقيني انا.. كنت قبل ما نتجوز معروف بالهدوء الشديد.. بس استفزازها طلع أسوأ ما فيَّ.. اتغيرت وكنت واعي لكده..

وكنت باكره ده قوي

عفاف: كانت عصبية؟

صلاح: لدرجة ان ساعات من كتر زعيقها كنت بابقى شايف شفايفها بتتحرك ومش سامع هيَّ بتقول إيه بالظبط.. ده كله اتسبب في فتور العلاقة.. سنين طويلة وانا بانام لوحدي.. وحتى لو صادفت وقعدنا في مكان واحد ماكانتش بتبقى قاعدة معايا.. وانا كمان من كتر ما حاولت احرك مشاعرها وأنوثتها وكانت بترفض مابقتش اشتهيها.. وما بقتش تثيرني خالص.. ما انا ياما حايلتها تلين ما أمكنش

عفاف: عمرك ما رسمتها؟

صلاح: رسمتها أول ما اتجوزنا.. بس رسمتها زي ما انا كنت عاوز اشوفها
عفاف: ازاي يعني؟

صلاح: رسمتها نخلة مهووسة بيَّ.. (مغنيًا) يا نخلة قولي للجنِّي.. بلحك رُطب هَوَسِك مني.. على قد ما باحبك غنِّي

عفاف: النخلة اللي فـ خيالك مش في حياتك

صلاح: نخلة عفيَّة.. لمَّا ابصلها تنزل رُطب.. ولمَّا الشمس تحمى تضلل عليَّ بالسعف

عفاف: خلاص بقى انت حـ تقعد تتكلم عنها كتير؟

صلاح: آسف

عفاف: ما انا قدامك اهو.. حاول تحس بيَّ يا فنان

صلاح: حاسس.. حاسس والله

عفاف: حس أكتر.. اشبع

صلاح: أنا……….

عفاف: انت مالك؟

صلاح: مش عارف.. بس بردان.. بردان قوي وجسمي سخن

عفاف: وريني كده؟.. (تجس جبينه بيدها) لا سخن ولا حاجة

صلاح: أنا اللي حاسس بنفسي

(ينزل على ركبتيه باندفاع ويبحث بين زجاجات الخمر الفارغة عن زجاجة ممتلئة)
عفاف: بالراحة شويه حـ يتكسروا ويعوَّروك

(ينهض منفعلاً ويشعل آخر سيجارة في العلبة ويلقي بالعلبة بعيدًا)
صلاح: آخر سيجارة وآخر قزازة وآخر علاقة

عفاف: يعني إيه؟

صلاح: أنا حـ انزل اجيب واحدة؟

عفاف: واحدة؟.. إنت اتجننت؟.. تجيب واحدة وانا موجودة؟.. إيه المعاملة ديه؟

صلاح: إنتي فهمتي غلط.. أقصد حـ انزل اجيب قزازة؟

عفاف: مش فارقه كتير يا فنان.. مش قلت حـ تبطَّل؟

صلاح: بعدين بعدين.. أنا حـ انزل

عفاف: وتسيبني لوحدي؟.. ده ينفع؟

صلاح: لا ما ينفعش.. بس ………

عفاف: (مقاطعة) من غير بس.. انت قلت حـ تبطَّلها

صلاح: عايز ابطَّلها من يوم ما شربتها أول مرة؟

عفاف: انت بتترعش لسه؟

صلاح: (يتحسس وجهه) حاسس إني عجزت قوي

عفاف: الحكاية كلها ان وشك اصفر شويه

صلاح: أنا سني كبر.. اتسرق

عفاف: صوابعك بترتعش

صلاح: مش عارف اتحكم فيها خالص.. مش حـ اعرف ارسم تاني

عفاف: إنت عندك كام سنة؟

صلاح: خمسين.. خمسين بحالها.. العمر جري

عفاف: طالما عرفت إنه بيجري استفاد منه

صلاح: إزاي؟

عفاف: عيشه

صلاح: ماباعرفش

عفاف: لازم تعرف

صلاح: حاولت.. أنا ربنا خلقني كده مش باعرف اعيش

عفاف: إيه اللي في جبينك ده؟

صلاح: (يتحسس جبينه) ولا حاجة

عفاف: لأ.. فيه خطين تلاته

صلاح: قصدك التجاعيد؟

عفاف: آه.. خطين تلاته فـ خمسين سنة مش حاجة

صلاح: أنا بطَّلت ابص في المراية

عفاف: ليه؟

صلاح: علشان أنا مش معترف بإن اللي باشوفه على صفحة المراية يبقى انا

عفاف: المراية مسكونة؟

صلاح: جايز

عفاف: طيب ما ترسم صورتك اللي انت عارفها ومعترف بيها

صلاح: أكبر عقوبة لرسام إنه يرسم نفسه

عفاف: ليه بتقول كده؟

صلاح: علشان مش حـ يبقى مجرد بورتريه

عفاف: أمَّال حـ يبقى إيه؟

صلاح: اعتراف

عفاف: اعتراف؟

صلاح: لو كان صادق في اللي بيرسمه

عفاف: مش قادرة افهمك

صلاح: مش قادرة ولا مش عايزه؟

عفاف: لا مش قادرة افهمك بصراحة.. فيها إيه لمَّا ترسم نفسك على حقيقتها؟.. فيها إيه لو كان اعتراف؟

صلاح: كنت اعترفت بصورتي اللي في المراية وخلصت

عفاف: يعني انت بتكدب على نفسك وبتقول ان اللي بيظهر في المراية حد تاني غيرك؟

صلاح: ييييوه.. أرجوكي بقى

عفاف: زعلت؟

صلاح: اتخنقت

عفاف: منِّي؟

صلاح: منَّي

عفاف: واتخنقت من نفسك ليه؟

صلاح: علشان الحقيقة اني باهرب من نفسي.. ارتاحتي.. تعبت منها.. ليها سنين وهيَّ بتهاجمني.. بتحملني ذنب حبستها وقهرها

عفاف: إنت بتترعش قوي

صلاح: الدنيا برد

عفاف: يا راااجل.. احنا فـ عز الصيف

صلاح: بس انا خدت برد.. أنا تعبان قوي.. قلبي واجعني وحاسس بدوار ورجليَّ مش شايلاني

عفاف: امسك نفسك يا صلاح وبطَّل وهم

صلاح: ده مش وهم.. أنا فعلا تعبان يا عفاف

عفاف: لمَّا انت مخلع كده حـ نتجوز ازاي؟

صلاح: نتجوز؟

عفاف: إنت رجعت فـ كلامك ولا إيه؟

صلاح: كلام إيه بس؟

عفاف: إنت مش بس بتنكر صورتك في المراية.. إنت قررت فـ لحظة إنك ماتعرفنيش واتفاجئت بيَّ.. وصدقت نفسك.. وانتظرت مني أصدقك

صلاح: جايه تقولي الكلام ده وانتي سايباني تلت شهور أضرب راسي في الحيط؟.. كل ده علشان عارفة إنك في لحظة بقيتي محور حياتي.. بقيت طفلك اللي ما اتفطمش.. كنت لما باجي أختار هدومي بتبقي عيني.. ولمَّا اجوع كنتي بتحدديلي آكل إيه.. ولمَّا بنخرج كنت انتي اللي بترسمي خط السير

عفاف: كان غصب عنك؟

صلاح: المشكلة إنه كان برضايا.. لو كان غصب عني ماكنتش اتوجعت في بعادك

عفاف: أنا مابعدتش بمزاجي.. إنت عارف السبب

صلاح: مافيش سببب يخلينا نبعد عن بعض فجأة

عفاف: أنا بعدت علشانك

صلاح: مستحيل يبقى سلخ الروح في مصلحة البدن

عفاف: كانوا حاطني سيف على رقبتك

صلاح: يموتوا كلهم بس ماتبعديش

عفاف: وصلت بيهم حقارتهم إنهم يساوموك يا صلاح

صلاح: ما اشتكيتش

عفاف: أنا باحبك.. ازاي أكون السبب في إن الكلاب تنهش في لحمك

صلاح: همَّا فين دلوقتي؟.. انتي بعدتي وهمَّا اختفوا من حياتي

عفاف: وحـ يرجعوا يساوموك برجوعي

صلاح: انتي مش أول واحدة تجبرها ظروفها على الـ ……….

عفاف: فيه ناس بيحلالهم يعملوا أنبيا لمَّا تقع قدامهم واحدة ضعفت.. ما تنساش إنت عرفتني فين

صلاح: أنا نسيت من زمان

عفاف: كداب

صلاح: مش كداب

عفاف: كنت بتحاول تنسى.. وكان صاحبك بيفكرك

صلاح: فاكر قبل ما اعرفك لمَّا رحت معاه القسم بالصدفة.. وفضلت معاه لغاية ما اتعرضتي على النيابة المسائية وخرجتي فـ إيده في النهاية

عفاف: شفت انت فاكر كويس ازاي؟.. خرجت علشان صاحبك شاطر والإجراءات كانت غلط.. مش علشان كنت بريئة

صلاح: إنتي ما خبتيش عني حاجة.. وانا كنت محتاج لك

عفاف: عارفة إنك كنت محتاج لي.. وانا كنت محتاجاك أكتر

(عفاف تهم بالانصراف)

صلاح: (بلهفة) على فين؟

عفاف: ماشية

صلاح: تاني؟

عفاف: بس حـ افضل أحبك

صلاح: بس انا مش حـ اسيبك

عفاف: لازم تسيبني

صلاح: ليه لازم؟

عفاف: اللي عارفينك وعارفينِّي مش حـ يسيبونا

صلاح: ديه حياتنا احنا يا عفاف

عفاف: آخر مرة كنت معاك انتهت بخناقة وقَّعت فيها لصديق عمرك سنَّة صلاح: نرفزني.. وانا اللي طول عمري باكره العنف ضربته

عفاف: رماك بكلام زي جمرات النار.. كلام مافيش راجل في الدنيا يستحمله.. والسبب إنك قلت له حـ اتجوز عفاف

صلاح: ماعملش حساب لوجودك.. وكان لازم اضربه علشان يفوق

عفاف: قال لك انت اتجننت تتجوز ديه؟

صلاح: الدم غلي في نفوخي.. قلت له ما تبقاش انت والزمن

عفاف: قال لك انت عبيط.. قول الكلام ده لحد تاني.. تتجوز واحدة لسه ريحة عرقها على جلدي؟!

صلاح: (مبتعدًا عن عفاف مهتاجًا يوجه حديثه لشخصية وهمية) إنت إنسان حقير وواطي.. وعامل فيها بتاع قانون.. أمثالك همَّا اللي عملوا فيها كده

(عفاف تنصرف خلسة دون أن يشعر صلاح بها)

صلاح: (مستمرًا في حديثه للشخصية الوهمية) وجاي دلوقتي عايز تحرمها من إنها تسترد كرامتها من مجتمع ظالم فيه أمثالك من المرضى.. اللي يعرَّوا الضحية ويقولوا ليه اتعرت؟.. بلاش تبقى الجاني والقاضي.. ليه تظلمها مرتين؟.. مرة لما رضيت تسحق كرامتها زي غيرك.. ومرة لما وقفت بينها وبين التعافي منك ومن أمثالك.. أنا برضو حـ اتجوزها.. أيوه حـ اتجوزك يا عفـ …. (يلتفت فجأة لعفاف فيكتشف اختفاءها) عفاف.. عفاف.. عفااااااااااااااف

(إظلام)

2 responses to “بورتريه.. ديودراما لـ: عصام نبيل

  1. نص بورتريه جميل جدا وارجو بتواصل للمؤلف استاذ عصام نبيل للاستاذانوه بموافقه انى اخذ هذا النص لاخراجه فى جامعه القاهره وارجو الوصول ايه ان لا يمكن اى اخراج نص لغير بحضور مؤلفو وشكرا \ اسمى مدحت صبرى

    إعجاب

شارك برأيك.. كتابة الإيميل والموقع ◄ «اختياري»